الخميس، 1 مارس 2018

من الأمر بالمعروف إنكار المنكر وهذا أضعف الإيمان!


يقول الله تعالى : 


(فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ * وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمْ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ)

   يقول علماء التفسير في شرح الآية السابقة :

(وَلَا تَطْغَوْا): لا تتجاوزوا حدود الله، والطغيان هو تجاوز الحد، وقد جاء النهي عن الطغيان والمجاوزة بعد الأمر بالاستقامة خشية أن يحصل هناك غلو ومبالغة بسبب التحري الدائم لحرمات الله، فينقلب يسر الدين عسراً، فلا تقصير ولا تفريط ، ولا غلو ولا إفراط.

(وَلَا تَرْكَنُوا) الركون: الاستناد والسكون إلى الشيء والرضا به.
من الركون و الاستكانة الركون للطغاة والجبارين، أصحاب القوة والجبروت، الذين يقهرون العباد بقوتهم وبطشهم.
 فنهى الله تعالى عن الركـون إليـهـم لأن فيه إقرارهم على كفرهم وظلمهم وفسـقهم، وفي ذلك مشاركتهم في الإثم والعذاب.
ومن الإركان إلى الظالمين الجبّارين، الاستنصار بهم، وتوقّع العون واستمداده منهم، كمن يستمد العون من بعض الدول الظالمة التي لا يهمها إلا مصلحتها لا نصر الشعوب وتحرير إرادتها ، فإنه لا يحصد إلا الفشل والخزي في الدنيا، والعذاب في الآخرة.

   في خضم ما يجري وعلى وقع مجازر الغوطة الحبيبة بات من الوضح تماماً أننا أمام أزمة أخلاقية مرعبة تجاوزت أعراف الحروب!
كان جلي جداً لدى الجميع كم المفارقة الهائل بين الواقع المُعاش و المأمول لدى أطراف الصراع مجتمعة على حد سواء ، فصائل المعارضة (معتدلة-متشددة) من طرف و الميليشيات الطائفية وأذنابها والنظام الدولي الخائن من طرف آخر*.

   ننطلق بادئ الأمر من الميليشيات الطائفية و أذنابها ، إنه ليس من الغريب أبدا على ميليشيات القمع و الإرهاب فعل ما تفعله اليوم بعد سبع سنوات من القمع و الإرهاب ، لكني أعجب والله من كمية الحقد و الكراهية و الضغينة الهائلة التي يكنها أتباع النظام الأسدي و موالوه لأبناء جلدتهم لشركائهم في الأرض واللغة و الوطن و الانتماء و الدين.
 فكلما قرأت ما يكتبه بعض الموالين لجزار الشام و طاغية العصر حول جرائم الغوطة ، تنتابني موجة عارمة من الصدمة المقرونة بكم هائل من القرف و الاشمئزاز.
كيف لقلب إنسان من لحم ودم أن يطلب من جزّار العصابة الأسدية أن يُنزل بضعفاء الغوطة أشد العذاب
، تجدهم بمنتهى الوقاحة و الوحشية يقولون لا تَدعوا منهم أحداً ولا تتركوا لهم أثرا !!

من وصل إلى هذا الحد من الكراهية والحقد فقد تجاوز بأضعاف المرات من ركن إلى الظالم و قبِل بظلمه ، هؤلاء مشاركون بالجريمة بكل ما تعنيه الكلمة من معنى.
أنت عندما تتمنى الموت لأخيك فأنت قتلته مرتين الأولى عندما لم تنصره و الثانية عندما شاركت بالجريمة ولو بمجرد تمني الموت و العذاب!
الله عز وجل يقول ولا تركنوا فمابالك بأصحاب الضمائر الميتة ، بكل صدق لا يمكنني وصفهم إلا بوحوش بأجساد بشر.
أنا ربما أتفهم -بمنطقٍ مريخي- قولَ طائفيٍّ حاقد غاشم عابر للحدود هذا القول ، ربما بسبب عقيدة مبنية على فكر معين ، ربما بدافع المال و إغراءاته و ربما أمور أخرى.
لكن ما يزيد الأمر تعقيداً هو عندما ترى ابن جلدتك من نفس مدينتك و طائفتك بل وحتى نفس العائلة -أحياناً- يطالب بأعلى صوته بذبح و تمزيق أخيه!
وهو ذاته الذي يطلق على نفسه المسلم السوري ، ويعيش في دمشق على بعد أمتار من الغوطة الشرقية و يصلي بمسجد الحي الذي يصل صوت المؤذن فيه حتى مسامع أهل الغوطة .. هل هؤلاء بشر حقاً ؟!!

يقول بعض السلف الصالح :
« من دعا لظالم بالبقاء فقد أحب أن يُعصى الله في أرضه »



    ننتقل إلى الطرف الآخر الذي لا يعرف هل مصيبته في عدوٍّ يتجهمه أم في قريب يخذله لكن الله ملَّكَهُ أمره.
"كأنها القيامة" هكذا وصف أحد الصحفيين الوضع الكارثي في الغوطة ، لكن للأسف لا يوجد أي حراك أو تعليق حتى لو كان خجولاً من طرف الفصائل المعارضة في الشمال أو حوران -التي كدنا ننسى أنها محررة-.
فصائل الشمال قسمٌ منها مشغول بتحريرعدد من الضياع و القرى في عفرين و تأمين الشريط الحدودي مع تركيا و تهيئة المنطقة على حساب شبابنا ، ليستلمها الأتراك على طبق من ذهب و القسم الثاني مشغول بمحاربة الهيئة ، وبالمقابل غوطة الشام وقلب الثورة تُصبُّ عليها الحمم و القنابل ليل نهار، حتى لم يعد لديهم أكفانٌ تكفي لدفن شهدائهم.
أين هي فصائل الثورة و الجيش الحر الذين ملّكناهم عصمة أمرنا و استأمناهم على أرواحنا من نصرة أخواننا المقهورين المحاصرين في الغوطة ؟
كم كنت أتمنى سماع شيء من الإدانة حتى ولو تغريدات خجولة على تويتر!
لكن العيون مغلقة والأفواه مكممة والآذان صماء...
نعم فهذا ما يريده الداعم ، أما ما يريده الله فغير هذا تماما ، سِلعَةُ الله غالية وتحتاج رجالاً صادقين يوفون بالعهود و يؤمنون بالله حق الإيمان.
أليس هذا تخاذل وركون للظالم بترك أهل الغوطة يواجهون الخوف و الجوع و الموت!
 لا نقول إلا حسبنا الله ونعم الوكيل

 عن الإمام الحسن البصري رضي الله عنه قال : "جعل الله الدين بين لاءين ولا تركنوا و لا تطغوا"

ولو أخذنا ما نعيشه اليوم قياسا على ما سبق ذكره آنفا لوجدنا أنفسنا بعيدين كل البعد عن لُبِّ الدين وعما جاء في القرآن الكريم:

ولا تركنوا إلى الذين ظلموا
و اعتصموا بحبل الله و لا تفرقوا




*النظام الدولي المتآمر مع ميليشيات القمع الطائفية على إبادة أطهر ثورة عرفتها البشرية -ثورة الكرامة- سأفرد له مقال خاص أتحدث من خلاله عن أسباب الصمت المخيف على مجازر الأسد و الاحتلال الروسي في عموم سوريا على مدى السنوات السبع الماضية و حتى الآن. 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق