الأربعاء، 28 فبراير 2018

الثورات برجالاتها

يقول الدكتور علي الوردي في تحفته الفكرية كتاب "وعاظ السلاطين" :

"فالسيف وحده لا يكفي لتدعيم مبدأ من المبادئ الثورية ، فإذا لم تتبدل القيم الفكرية ويخلع الناس عن عقولهم طابع الخضوع والجمود ، عجز السيف بالقيام عن ثورة ناجحة "

  أعظم مهمة ملقاة على عاتق السوريين في الداخل و الخارج -بشكل خاص- هي الإعداد الفكري على شتى الأصعدة و المستويات و تحطيم الأوثان المجتمعية و القيم البالية و مبادئ الخضوع و الخنوع و الهوان ونفض الغبار عن العقول وطرد الأفكار الخاملة والمفاهيم المترهلة من قاموس العربي الجديد ، التي كرثتها وعززتها المنظومة التعليمية المتهالكة و الآلة الإعلامية للأنظمة الدكتاتورية الفاشية في عالمنا العربي ما بعد الاستقلال عن المستعمر الغربي حتى يومنا هذا.
  من أهم أولويات الوصول لغاية ما هي وضوح الرؤية وتحديد الهدف بدقة ، كما يجب علينا قراءة التاريخ فهو أساس لفهم الحاضر و التنبؤ بالمستقبل ، فهم روح العقيدة على أساس إيماني و إعادة صياغة فهمنا لها بما يتماشى مع الوقت الذي نحن فيه لا أن نقف حيثما انتهى العلماء منذ مئات السنينن عندما كان للأمة حظ من العلم لا يخفى على طلابه


أخيراّ وليس آخراً تكثيف التحصيل و البحث العلمي ، فهو مكمن القوة في زمن تتمايز فيه الأمم برصيدها المعرفي و تحصيلها العلمي

  كما يعلم الجميع لا تقوم أمة بدون ثلاثة مقومات ألا وهي : العلم و العمل مقرونان بالعقيدة السليمة القائمة على إيمانٍ خالص.
وينبغي ألا نغفل عن شيء مهم لابد من ذكره في مقامنا هذا ، أن كل ماسبق لا يجدي نفعاً مالم يتوافر مناخ كافي من الحرية و الاستقلالية على الصعيد الشخصي أولاً و على الصعيد المجتمعي ثانياً.

فما بالك لو أضيف إلى ما سبق ثروتين تذخر أمتنا بهما ، وهما ثروة المال و الثروة البشرية
هذا المخزون الهائل من الشباب الذين تزيد نسبتهم عن 60% من أفراد المجتمع السوري يعتبر كنزاً لا يقدر بثمن لكل أمة تنافس على السبق في سلم تصنيف الأمم و نواة لأي نهضة حضارية ، لكن ينبغي أن يكون هناك توجيه صحيح لهذه الطاقات مقرون بدعم يغني هؤلاء الشباب عن الانشغال بغير هدفهم الذي هو بالمحصلة هدف الامة جمعاء.
وبما أن الله أكرمنا -كمغتربين- بأن هيّأ لنا مناخاً من الحرية الفكرية لم يُتح لغيرنا من أبناء جلدتنا !
ينبغي علينا أن نكون فتيل هذه الثورة و نواة النهضة الشاملة بدءاً بالعلم مروراً بالأخلاق و انتهاءً بالعقيدة ، لنصل إلى مستوى من التقدم الشامل وهو ما يمكننا من مواكبة النتاج الإنساني لشعوب الأمم المتقدمة

إذاً ما ينبغي علينا فهمه و تطبيقه بأن " مكمن قوة الثورات مرتبط بقوة رجال الفكر فيها و صدق نواياهم
فالأمل منعقد بعد الله على أصحاب العقول النيِّرة 
فالمحارب ينقاد له عالِمٌ بسلطة القوة 
أما العالم فيقود جيشاً بسلطة العلم
لابد من التنويه أيضاً أن ماسبق يندرج تماماً على الشعوب العربية قاطبة

ولا نقول ختاماً إلا كما قال الشاعر داعياً :
يَارَبِّ هَيِّءْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَــــــــــا رَشَداً
وَاجْعَلْ مَعُونَتَكَ الحُسْنَى لَنَا مَدَداً
وَلَا تَكِلْنَا إِلَى تَدْبِيرِأَنْفُسِنَــــــــــــــــــا
فَالنَّفْسُ تَعْجِزُ عَنْ إِصْلاَحَ مَا فَسَدا

والحمدلله ...


الخميس، 1 فبراير 2018

فاغتنمها ...

بعد ما يقرب من سنة ونصف قضيتها بالعمل كمترجم في مركز العمل (Job Center) و البنوك و الدوائر الحكومية ، يمكنني القول بأنني اختلطت بعينة تمثل -إلى حدٍّ ما- معظم أطياف الشعب السوري على اختلاف البيئات و الثقافات و غيرها ،,ومما لاحظته أننا كسوريين مقسَّمين لثلاث فئات :

١- فئة القبضايات : أصحاب هذه الفئة من الناس المؤمنة بذاتها بشكل تام و واثقة بقدرتها على النجاح ثقة عمياء ( رغم كل المعوقات ) ، يبذلون الغالي و الرخيص لإثبات أنفسهم في مجتمع جديد ، سقف المنافسة فيه مرتفع جداً في شتى المجالات .
فتجد منهم من دخل الجامعات و منهم من التحق بشركات كبرى ومنهم من أسس شركات و نفَّذَ مشاريع يُباهى بها و تُرفع لها القبعات و أقل ما يمكن أن يقال عنها أنها محطُّ فخر للجالية العربية في ألمانيا.

٢- فئة دع الأيام تفعل ما تشاء : هم جماعة من الناس تركوا حياتهم تسير حسب التياسير ، أو كما يقولون : على تساهيل الرحمن ( وهو القائل سبحانه وتعالى : وقل اعملوا !!!) ، هذه الفئة من الناس صبغتهم العامة التواكل و طول الأمل مع قلة العمل ، بطء في الإنجاز ، تراخي في تعلم اللغة ، إهمال و قلة تنظيم وكل عثرة في حياتهم يعقبها نفس التبرير المتكرر قولهم : "كله لخير إن شاءالله"، وما يربط على نفوسهم و يخفف ضيق صدورهم هو سهرات الشلة .

٣- فئة مالي خلق حب وافترق : هذه الفئة تؤمن إيمان مطلق وعن يقين تام بأنه ينبغي على الشعب الألماني و حكومته أن يشكروا الله لأنه ساق لهم هؤلاء النخبة المصطفاة من خيرة عباده لتقديم اللجوء في بلادهم  و هي ذات الفئة التي تهدد بالانسحاب و العودة و غيرها من أنواع التهكُّم بحجج واهية للبعض و مفصلية ومهمة أحياناً عند البعض الآخر.


النجاح ليس حظ!


تعقيب .. يقول أهل العلم : "حقيقة مرة خيرٌ من وهمٍ مريح"

أتمنى أن نفهم و نستوعب بأن سوريا التي نعرف ، هي  فعل ماض انتهى و لا عودة له إلاّ أن يشاء الله.
سوريا اليوم تعني حرباً طاحنة حتى الرابح فيها خاسر ، دمارٌ لا ينضب ، ساحة صراع و ميدانٌ مفتوح لتصفية الحسابات  بين الدول العظمى ، ظلام حالك من تطرف وعنف ، دوامات مرعبة من الشذوذ الفكري ، أزمات متلاحقة ، انهيار اقتصادي ، انعدام أمن ، و أخيراً وليس آخراً فقدان الكرامة .

(نتمنى من الله أن يغيّر حال بلدنا إلى أحسن حال )
لكن الأماني لا تغير الأقدار
لذا لا تشتروا الوهم ، فالوهم رخيص لكن ضريبته كبيرة .. كبيرة جداً.

سأتحدث ومن وجهة نظري عن بعض الجوانب المهمة التي تُعتبر حديث الشارع هذه الأيام في أوروبا

#الاندماج :


لكل مجتمع طبائعه التي تميزه عن غيره من المجتمعات الأخرى ، فيجب أن تعلم أنه ليس بالإمكان تغييرها لتلائم طبائعك !!
لذ ينبغي أن تتقبلها و تتماشى معها .
كن على يقينٍ تام بأنك خلال سنة أو سنتين لن تندمج في المجتمع بالشكل الذي كنت تعيشه في بيئتك السابقة وسط مجتمعك المألوف  في سوريا ، وذلك بسبب اللغة و العادات و التقاليد و غيرها من نظم الحياة المختلفة.
الاندماج الذي يطلبه الألمان هو اندماج في النظم الألمانية ؛ كقوانين المجتمع المدني و سوق العمل ونظام التعليم.
ليس مطلوب منك أن تندمج اندماج حضاري ثقافي مجتمعي كما فهمه البعض .


#العمل :

"لغة و إرادة وقليل من الحظ"

اعلم أن الحكومة الألمانية بحاجة لدماء شابة ذات قدرات و كفاءات للاستمرار في نهضتها أو أضعف الإيمان عدم الهبوط لأقل ما تمَّ إنجازه ،  لذا يجب أن نعلم بأنه من لم تستفد الحكومة الألمانية من كفاءته المهنية على المدى القريب، فسوف تستثمر من خلاله في الجيل الثاني الذي سينتجه ( الثروة البشرية أثمن ما تتمنى الدول المتقدمة امتلاكه و أرخص ما تضيعه بلداننا )
أما من ينقلب على عقبيه فلن يضرها بشيء و هو الخاسر الأكبر .
لذلك تجد أن الحكومة الاتحادية تقدم كم هائل من الخدمات في سبيل تطوير الأشخاص و إعدادهم مهنياً ليكونوا جزءاً فاعلاً من القوة المحركة لعجلة هذا البلد.

#الاستقرار :

عندما تُقارِن وضع السوريين بغيرهم من الأجانب ( قانونياً - ماديّاً - اجتماعياً ) تجد -في أغلب الأحيان- كم هائل من الفرق .
فالأجنبي القادم من البرازيل ( مثلاً ) عليه أن يتعلم اللغة بشكل سريع و الحصول على وظيفة (Minijob) لتمويل نفسه خلال فترة الدراسة ثم الانتقال إلى عمل نظامي ، كما أن إقاماتهم مؤقتة و مشروطة باللغة أو العمل أو الدراسة إضافة إلى تكاليف المعيشة المرتفعة و التأمين الصحي و غيرها .
أما كشخص سوري الجنسية فمطلوب منك أن تتعلم اللغة و تتقن صنعة ما ، والدولة متكفلة بمعيشتك و سكنك و تطبيبك وتعليم أبنائك.

#الدين :

من يعبد الله فالله موجود في كل زمان ومكان ، أكرمنا المولى عز وجل بأن جُعلت لنا الأرض مسجداً و طهوراً ، و أعطانا سبيل الهداية و سبيل الضلال ، فلا ألمانيا و لا غيرها تقطع أو تضعف علاقة العبد بربه .

أخوتي الأفاضل :
بِلا شك المهمة صعبة و الحمل ثقيل ، بلد جديد و مجتمع جديد ، الحياة فيه لا تخلو من المصاعب ، لكن نقول و نكرر : الحياة تمنحك فرص و لا تكررها .. فاغتنم ما استطعت.


دمتم بخير..